الأخ الفاضل - والمؤرخ الجليل / الصريح
أود أن أشير وأضيف لما تفضلت به
إلى أهمية الآتي لمن أراد كتابة التاريخ بإنصاف
//// أي تاريخ ///
ضرورة تحلي المؤرخ بالأمانة :
فالوصول إلى نتائج صحيحة , لابد أن يتصف الباحث بصفة الأمانة , التي تحول دونه و دون الكذب و الإنتحال و التزوير و إخفاء الحقائق التي لا تناسب الرأي العام , و لا ترضي غرور المجتمع أو السلطان , و لا تنسجم مع مجمل الاتجاهات و القناعات و الأفكار السائدة ..
- الشجاعة :
و هي صفة على درجة عالية من الأهمية , و ترتبط إرتباطاً و ثيقاً بصفة الامانه الىنفة الذكر , إذ تمنح الباحث القدرة على مناصرة الحقيقة و الجهر بها مهما كانت مره , و تحمّل تبعة إبرازها دون خوف أو وجل , و دون مراعاة لما يمكن أن يجره ذلك عليه من غضب ذوي السلطان , سواء كانوا حكاماً أو أصحاب اتجاهات و مدارس فكرية أو مذاهب دينية أو أحزاب سياسية .. إلخ .
- الموضوعية و عدم التحيز :
إذ لا جدوى من كل الجهود التي يبذلها الباحث مالم يتصف – أي الباحث – بالموضوعية و عدم التحيز .
فجهوده كلها تهدف إلى بلوغ الحقيقة , فإذا اتصف بعدم الموضوعية و بالتحيز و الإنسياق وراء هواه و ميوله و عواطفه , فغنه بذلك يفسد ثمرات جهوده كلها و ييحرف هذه الجهود عن الهدف الذي لابد أن تتجه إليه , و هو الوقوف على الحقيقة التاريخية و إبرازها , كما توصل إليها , بموضوعية و حيادية , مهما خالفت قناعاته و تصادمت مع عواطفه و ميوله و اتجاهاته أو اتجاهات الجماعة التي ينتمي إليها , سواء كانت شعباً أو عشيرة أو أسرة أو طائفة أو مذهباً أو حزباً .
- التواضع و العزوف عن الشهرة و الزهد في المناصب :
و هي صفات ضرورية تحمي الباحث و تقيه من شرور اللهث وراء الأضواء و التكالب على المناصب و الحرص على البروز , لما في ذلك من تبديد لوقته الثمين , من ناحية , و لما يمكن أن تفرضه عليه من تنازلات و من سلوك يتصف بالمحاباة و التزلف و التصنع , من ناحية أخرى
فيخرج بذلك عن إطار العلم و يعجز عن خدمة التاريخ خدمة منزهة ..
- الملكة النقدية :
فالتمتع بملكة النقد صفة لازمة للمؤرخ , الذي لا يتعامل مع موضوع مباشر يستطيع ملاحظته , بل يتعامل مع حدث مضى , من خلال ما روي عنه و ما خلفه من آثار و وثائق , قد يلحقها التحوير و التزوير و التشويه و الإختلاق .
لهذا لابد للباحث من ان يتصف بالقدرة على النقد و تمييز الصحيح من الكاذب .
و هذه الصفة تحول دون تسليم الباحث بكل ما يقرأ أو يسمع أو يرى من أثر . لانه إذا سلم بصحة كل ما يصل إليه من مادة تاريخية , فإن دوره كباحث يتلاشى و يصبح مجرد مقلد و مردد , دون إعمال العقل و استخدام النقد للوصول إلى الحقيقة .
و يمكننا أن نقدر مدى أهمية هذه الصفة إذا ما عرفنا أن نقد الأصول التاريخية هو اهم خطوات منهج البحث التاريخي .
- العقل المنظم :
فالباحث لا يستطيع أن ينجز أي بحث علمي ما لم يكن متمتعاً بعقل منظم , قادراً على التمييز بين عناصر البحث و ترتيبها و تنسيقها و تحديد العلاقات بينها و استخلاص النتائج المنطقية منها .
و الباحث في مجال التاريخ هو اكثر حاجة إلى عقل منظم يميز بين الحوادث و الوقائع , التي لم تعد ماثلة أمامه , بل يتخيلها من خلال الحقائق و المعلومات المتناثرة عنها بين يديه , فيعيد تركيبها , مرتبة , منسقة , مترابطة , منسجمة , ضمن سياق تاريخي منطقي سليم , محدداً علاقاتها و تفاعلاتها , و مثبتاً أسبابها و نتائجها , مميزاً بين ما اختلط و تشوش منها , محدداً أزمانها و أماكنها . و هذا النشاط العقلي المتعدد , لا يمكن أن ينجزه إلا باحث يتمتع بعقل منظم .
- التفهم و الإحساس و القدرة على التخيل :
فالباحث في مجال التاريخ , ما لم يكن قادراً على تفهم مشاعر و أفكار و دوافع صانعي الظاحداث التاريخية , و ما لم يكن قادراص على تخيل ظروفهم تخيلاً يمكنه من الإنتقال , ذهنياً و نفسياً , إلى عصرهم , فيعيش معهم و يشاركهم في أدوارهم و يحس بأحاسيسهم , فإن أحكامه عليهم و أفعالهم ستكون أحكاماً قسرية , متسمة بعدم الموضوعيه , طابعها إسقاط القيم و الأحكام و الأفكار و التصورات و الظروف المعاصرة على إطار تاريخي مختلف في ظروف و قيمه و أحكامه و أفكاره و تصوراته .
و في ذلك ابتعاد عن الحقيقة التاريخية , التي لا يمكن أن تدرك و تفهم إلا ضمن إطارها التاريخي و عصرها الذي وجدت فيه ..
و بهذه الصفات , إضافة إلى استخدام المنهج التاريخي استخداماً سليماً و بالتزود بالمهارات و المعارف و العلوم المساعدة , يكتسب الجهد البحثي في حقل التاريخ صفته العلمية , و يصبح التاريخ علماً من العلوم , يختلف في منهجه عن مناهج العلوم الطبيعية من بعض الوجوه , و يتفق معها من وجوه أخرى , دون أن يلغي اختلافه عنها صفته العلمية , التي يكتسبها من كونه يمتلك منهجاً متدرج الخطوات واضح الهدف , يبدأ بالتساؤل , و ينتهي بإعطاء الإجابات العلمية المتسمة بالحياد و الموضوعية , المبنية على جهد بحثي منظم ..
///// سؤال يطرح نفسه ////
//// إذا جهل المؤرخ ... بحقيقة ثابتة متواترة .. ومن له علاقة بهذه الحقيقة
أنكرها .. بحجة أنه لم يسمع بها .. فهل نطوي هذه الحقيقة .. رأيكم ..
.... خالص مودتي وتقديري