لمحة عن حياة الشاعر: عبدالله بن محمد بن فرج المسعري الدوسري
(1252هـ-1319هـ)
( 1836 م – 1901م )
ولد في مدينة الكويت، وتوفي فيها.
قضى حياته بين الكويت والهند والبحرين والبصرة والزبير وإيران.
تربى في أسرة موسرة، حيث كان والده يزاول التجارة ما بين الكويت والهند وإفريقيا، لذلك تلقى تعليمه الأولي في مدارس الهند في بومباي، وفيها درس أصول العربية على يد معلمين عرب، كما تعلم الهندية والإنجليزية، ثم التحق لبعض الوقت بمعهد للموسيقى.
توفي والده وهو في الثامنة عشرة من عمره، فورث عنه ثروة كبيرة أنفقها على ولعه بالموسيقى، وعندما واجه النهاية عاد إلى الكويت، وكان في الثلاثين تقريبًا.
كان متفرغًا لاهتماماته الأدبية والفنية، فنظم الشعر ولحنه، كما مارس الخط والرسم واكتسب شهرة واسعة ومقامًا رفيعًا.
نشط المترجم في الحياة الثقافية، فكان له ديوانية يتردد عليها العلماء والشيوخ وهواة الفن والموسيقى،ويعتبر الرائد الموسيقي الأول للغناء في الخليج، ومبتكر فن الصوت المعروف والمنتشر حاليًا في الكويت والخليج بصفة عامة.
الإنتاج الشعري:
- جمع ديوان له من الشعر النبطي وطبع عدة طبعات منها: الطبعة الأولى - بومباي بالهند - 1338هـ/ 1919م، والطبعة الثانية - مطبعة الترقي - دمشق 1953، و الطبعة الثالثة - دار ذات السلاسل - الكويت الثمانينيات، والطبعة الرابعة - مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري - الكويت 2001 (احتوت ما توافر من شعره الفصيح وهو 12 قطعة جملتها 173 بيتًا).
أكثر منظوماته من الشعر النبطي الذي ارتقى بمفرداته وتراكيبه بما يقارب الفصحى، كما التزم البناء التقليدي للقصيدة العربية، أغراضه متعددة بين المدح والرثاء والغزل، وله قصائد في تقريظ الكتب وتسجيل وتأريخ الأحداث، معجمه وافر يعكس ثقافته وتعدد علاقاته برجال الفكر والأدب، لغته سلسة، وفي غزله إيقاع طرب وعذوبة ٭.
قال ناصر الناصر : القصيد وثيقة نادرة , لها عدة دلائل .
فهي تبين مدى قوة ( دولة شمر) واتساعها وتأثيرها على الناس .
واتصال الحركة الثقافية بها والتي يمثلها الشعراء.
وهذه القصيدة مرشحة ليدرسها كثير من المهتمين – كل حسب تخصصه – ليبينوا ما خفي علينا من أحوال المجتمع في ذلك الوقت , من كثير من الجوانب .
والذي يهمني في هذا المشاركة تبيين مدى انعكاس هذه القصيدة لثقافة الشاعر في ذلك الوقت .
فمن الواضح جدا - من خلال القصيدة التي أوردها الأخ محمد السنجاري- أن الشاعر ملم بقدر وافر من الثقافة التي كانت منتشرة في عصره , ويتجلى ذلك من خلال المفردات التي يستخدمها الشاعر .
بل إن (لهجة ) الشاعر أقرب للهجة عصرنا أكثر من قربها للهجة عصره , وذلك لاستخدامه مفردات فصيحة .
ومن الواضح أيضا أن الشاعر واسع الإطلاع على كثير من كتب الأدب , ولعل وجوده في الهند ساعده على ذلك , حيث كانت طباعة الكتب منتشرة هناك خاصة الكتب التراثية .
يشهد لذلك شواهد كثيرة(أعني تأثرة بما قرأه من الكتب)
منها المفردات الفصيحة (القاموسية) , وكذلك تأثره ببعض ماحفظه أو قرأه لكبار الشعراء .
قال الشاعر : ولو منال العز سهلٍ مايكود// شفته من الناس في سود البليد
أخذ هذا المعنى من المتنبي :
لولا المشقة ساد الناس كلهم // الجود يفقر والإقدام قتال
ولو حاولنا إرجاع مفردات الشاعر (الدينية ) للمصادر التي استقى منها الشاعر ألفاظه , لوجدناه استقاها مما يلي :
1- القرآن الكريم .
قال الشاعر : شمّري تتلاه قومٍ كالأسود// بآسهم عند اللقاء بأس ٍ شديـد
وصفه لشمر بأنهم : ...بأس شديد .
فهذا الوصف الذي يدل على القوة لا تخفى دلالة على الشاعر .
فدلالة هذه الصفة هي ذاتها التي وردت في القرآن الكريم .
قال تعالى : {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا }[الإسراء : 5]
قال الشاعر : مودعه حيث الأمان من السهود// كالحرم مازال مفتوح الوصيد
قال تعالى : {كَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ }الكهف : 18]
والوصيد: الفناء.
وقال ابن عباس: بالباب.
وقيل: بالصعيد، وهو التراب.
والصحيح أنه بالفناء، وهو الباب، ومنه قوله تعالى: { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } [الهمزة: 8] أي: مطبقة مغلقة (1) .
ووصف الحرم – من خلال التشبيه – أنه مفتوح !
يدل على أن الشاعر يعرف دلالة هذه المفردة الغريبة على أبناء عصره .
قال الشاعر : قاطبينٍ حول من يوفـي العهود // من يخافـه كل جبارٍ عنيـد
قال تعالى : {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)} [هود : 59]
قال الشاعر : يوم قالو ماعـن لقاهـم صـدود// أودعهم عندهـا الحـب الحصيـد
قال تعالى : {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)} [ق : 9]
قال الشاعر : يستهّـل بعـارضٍ مالـه حـدود// ممطرٍ بالموت يـرذي مـن بعيـد
قال تعالى : {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)} [الأحقاف : 24]
قال الشاعر: شـاد مجـده مايشيـده بالوجـود// من يحّلـه للعـلا قصـرٍ مشيـد
قال تعالى : { فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)} [الحج : 45]
2- بعض الألفاظ العقدية بسبب تأثير البيئة التي درس فيها الشاعر .
مثل قوله : حيثه إنسان الدهر عيـن الوجـود// النضار الجوهر المحـض الفريـد
ولعل الشاعر تلقف هذا اللفظ - الذي له دلالة عقدية – حين دراسته بالهند .
ومعلوم كثرة الفرق في شبه القارة الهندية كالديوبندية والبرلوية ذات الاتجاه الصوفي والأخطر منهما البهائية والقاديانية .
أما هذا اللفظ فقد هذى به الصوفية وخاصة ابن عربي , حتى أصبح جزء من عقيدتهم .
قال محمد ين سليمان الجزولي : " اللهم صل على سيدنا محمد...إنسان عين الوجود ، والسبب في كل موجود، عين أعيان خلقك" (2) .
ومحمد الجزولي هو مؤلف كتاب دلائل الخيرات , وهو من الكتب المقدسة عند الصوفية .
وهذه العبارة (إنسان عين الوجود ) تصب في (الحقيقة المحمية) وهي أحد أعمدة العقيدة الصوفية .
ولعل الشاعر – غفر الله له – لا يعني ما تدل عليه هذه العبارة .
خاصة وأن الممدوح - رحمه الله – ليس لأحد فيه (عقيدة ) كما كان يعتقد أتباع مشايخ الطرق الصوفية في مشايخهم .
بل هو ملك من ملوك العرب الكبار .
وقد أغرب الشاعر بهذه العبارة .
ولعله أراد أن يأتي بلفظ لا يعرفه معظم معاصريه .
لكن هذا الأثر الإسلامي على مفردات الشاعر - خاصة التي تدل على تأثره بألفاظ القرآن - تبين مدى ثقافة الشاعر .
وإلى هنا أصاب ناصر الفتور والملل فلم يكمل وألقى القلم ....
شكرا للمشرف النشط محمد السنجاري .
ـــــــــــ
٭مصادر الدراسة:
1 - أحمد علي: الموسيقى والغناء في الكويت - شركة الربيعان للنشر والتوزيع - الكويت 1980 .
2 - خالد سعود الزيد: أدباء الكويت في قرنين - المطبعة العصرية - الكويت 1967.
3 - عبدالله الفرج وأمين نخلة: مئوية الرحيل والميلاد - كتاب أبحاث مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري - الكويت 2001 .
4 - عواطف خليفة العذبي الصباح: الشعر الكويتي الحديث - جامعة الكويت - 1973 .
5 - مشاري عبدالله السجاري: الشعر الحديث في الكويت إلى 1950 - رسالة ماجستير - كلية الآداب - جامعة بغداد 1973 .
6 - الدوريات:
- مجلة «عالم الفن» - العدد «9» ديسمبر 1971 - (مقابلة صحفية مع أحمد البشر الرومي).
- مجلة «الكويت» - العدد «38» أكتوبر 1985 .
جميع الهوامش أعلاه - الخاصة بمصادر الدراسة - نقلا عن معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين .http://www.almoajam.org/poet_details.php?id=4270
(1) تفسير القرآن العظيم , ابن كثير 5 / 144 .
(2) دلائل الخيرات , محمد سليمان الجزولي , ص100 .
سل بني عتبه وسل عنه آل سعود // وآل خليفة قاطبة وآل بوسعيـد ..(( نادرة ))
العرض العادي
