من أهالي جبة الذين اشتهروا بالشجاعة والكرم وسداد الرأي في الزمن
القديم الأمير مصيخ بن فرحان من الفرحان من أمراء جبة وكذلك مبارك
الخطيب الذي كان معاصراً للأمير مصيخ· ومن قصائد مبارك الخطيب
قوله معرضاً بأحد المناوئين:
جبّة كما سيفٍ قضبنا نصابه=شلقٍ لأهلنا يوم ترعى للاجناب(1)
باطرافها نشدي صريخ الذيابه=ونجسّر اللي من جماعاتنا هاب
شبر من الملح المصفى صوابه=بجلود من جانا للاوطان كساب
حنا كما داب ليا عض نابه=خطر عليه يموت وان عاش ما طاب
سِدِيت بيسراي مثل الغديرِ=وورّدت بيمناي مثل المصلي(2)
واقرش كما يقرش سواة الحجيرِ =ياصار مرحاله بعيدٍ مولي(3)
هذاة حق اللي يحطّن نحير=وانا اطلبه حق العرب ما حصلي لي(4)
وله من قصيدة طويلة:
ناديت باذن جديع وادنى هجينه=نسري ليامنّه هبا ميّت النار(5)
نخيت قومٍ ما يبيّح كنينه=قال احتزم بمصقّل يجلى الامرار(6)
وكانت نهاية مصيخ نهاية مأساوية إذ فتك وحش مغلوث (مصاب بداء
الكلب) بأهالي جبة وروعهم فطلبه مصيخ ليقتله ويريح الناس من شره
مفادياً بنفسه رغم خطورة الموقف· وفعلاً تمكن من قتله إلا أن الوحش قد
عضه قبل أن يقتله ومات متأثراً بتلك العضة· وحينما قربت منيته وتيقّن
أهله أنه ميت لا محالة بنوا له حجيراً خارج البلدة وعزلوه فيه، فقال يتأسف
ويتذكر:
كلّيت أنا ياخليف من مقعد الدار=من مقعدي بين الشرف والركادِ(7)
هذاة لي من يوم طيحات الامطار=وانتم تعدّون الليالي عدادِ(8)
عضّني غليثٍ بيثناياه الاطرار=وادعيت راسه يالسنافي تواديِ(9)
لاذيب لامغلوث ضاعن الابصار=ياخضير من همّه يشيب السوادِ
شفي مع الغلمان عجلين الاذخار=هل الستاتيات سقم المعاديِ(10)
يادار عن جالك ندوّر لنا دار =يادار خطوات الرشابيك غاديِ
أخاف انا يادار وان جاك خطّار=أخاف ما يلقى الاسمايا رمادِ(11)
وفي زمن مصيخ بن فرحان لجأ عبدالله بن رشيد إلى جبّة وزبن عند أهلها
بعد أن ضايقه آل علي في حائل وقد خلد ابن رشيد هذه الحادثة في قصيدته
التي يقول فيها:
ياهيه ياللي لي من الناس ودّاد =ماترحمون الحال ياعزوتي ليه
ما ترحمون اللي غدى دمعه بْداد=طال الزمان وحرّق الدمع خديه
من شوفتي للغرو مركوز الانهاد=متمشلح ياطا على اقدام رجليه(12)
الشوك ماله عن مواطيه ردّاد=ايضا ولا سبتٍ قوي يوقّيه(13)
جبّة سقاه من اول الوسم رعّاد =ما طالعت خشم أم سنمان يسقيه
حيث انها للمنهزم دار ميعاد=من لاذ به عد الحرم لايذٍ بيه
ومصيخ بن فرحان ياعرب الاجداد=كل العساكر نكّسه تتلى البيه(14)
ومصيخ بن فرحان من الذين ورد ذكرهم في قصيدة مشهورة للشاعر
عدوان الهربيد من السويد من شمر وتسمى الشيخه والتي وجهها إلى ابن
عمه سْعيد وأحصى فيها أربعين فارساً من فرسان العرب الذين تميزوا
بالشجاعة والكرم وقول الشعر ومنها:
ذرّب جوابك يافتى الجود ياسعيد=عن قولة ثاري سعيد استزالي(15)
عميت بالساية جميع القواصيد=ماقلت بالشعار طامن وعالي
عمّيت نمر والمهادي وابازيد=عز الظعن حبس الكمين الهلالي
ومشعان والطيار وعقاب وعبيد=وعبدالله المصطور ماضي الفعال
والعسكري ومصيخ وهديب ورشيد=وحسين حمّاي الركاب التوالي(16)
هذا وقد زرت جبّة بنفسي في أكثر من مناسبة· وكل مرة أزورها أزداد
إعجاباً بكرم أهلها واريحيتهم· لا يحس الضيف عندهم بوحشة ولا غربة·
(1) شلق: نصيب، سهم.
(2) سديت: مدّيت· الغديري: يصف باروده الفتيل يقول إن
حديدتها كالغدير الزلال في صفائها ورونقها· والبيت يصف طريقة
اطلاق النار من بندقية الفتيل وأن الرامي حينما يضغط على الزند فإن الديك
الذي فيه الصَّلى يرد على البارود مثل المصلي حينما يسجد· وهذا يشبه
قول محمد بن فهيد المري·
كن الحنش فيها يهوش بروضه =كن لونها لون النبات المالي
مشقاصها مهوب يجنب حوضها =مثل المصلي بالركوع التالي
(3) أقرش: طاح، وقع· الحجير: بيت الشعر الصغير.
(4) هذاة: اسم اشارة بمعنى هذا· غير: خصم.
(5) هبا: تقاعس وخاف· ميت النار: عديم الهمة.
(6) نخيت: استصرحت.
(7) الشرف والركاد: السهل والحزن.
(8) هذاة: هذا·.
(9) توادي: قطع.
(10) عجلين الاذخار: يذخرون بواريدهم بسرعة· الستاتيات:
بنادق الفتيل.
(11) أي أن الموت لا يهمه ولا يخاف منه ولكنه يخاف بعد أن يموت
ألا يجد الوافد إلى بيته من يقوم بإكرامه ويقدم له واجب الضيافة.
(12) متمشلح: ضم أردان ثوبه وعقدها وراوعنقه.
(13) سبت: حذاء من الجلد الرقيق.
(14) لأن مصيخ رفض تسليم عبدالله بن رشيد لعساكر الترك.
(15) استزالي: زال وأخطأ·
(16) المقصودون هم: نمر بن عدوان ومحمد المهادي وابازيد الهلالي ومشعان ابن هذال وكنعان الطيار وعقاب العواجي وعبيد بن رشيد
وأخيه عبدالله والعسكري من فرسان الرولة ومصيخ بن فرحان وهديب ابن
صبيح وحسين الذنيب كلاهما من قبيلة السويد من شمر.
دمتم بود