السلام عليكم
أدراة الموصل بين 1835ـ 1843م،وصراع صفوق الجربا والبيرقدار والي الموصل وظهور خطر "عشائر عنزة القوية"
(موسوعة الموصل الحضارية)
صفحه 175 وصفحه 176 وصفحه 177
عانت الموصل في السنوات الاخيرة من حكم الجليليين ( 1726 ـ 1834 م ) الأمرين من فقدان الأمن وانتشار الفوضى في أرجائها ، وكانت اسباب هذه الفوضى داخلية وخارجية . فقد استفحلت النزعة العشائرية في اطراف المدينه ، وغدت هيبة الدولة غير ذات بال ، كما ظهر الصراع بين الاسر الموصلية وخاصة الأسرتين العمرية والجليلية . كما جاءت التطورات السياسية السريعة في بلاد الشام بنتائج سلبية على الاوضاع في المدنية على المدى القصير . اذ تطلعت الاسرة الجليلية الى الاستعانة بالعشائر العربية للوقوف بوجه خصومها وهذا ما حصل ، عندما استعان الجليليون بعشائر شمر الجربا والتمهيد لهم بدخول المدينة سنة 1832 م ، واذا كان ما يذكره أحد الباحثين ، ان صفوق شيخ شمر الجربا قد دخل المدينة بتحريض من ابراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر ، الذي كان يعمل على ضم العراق والشام لمصر بهدف تكوين دولة عربية موحده ، وارداً في السياق العام للاحداث التأريخية ، فان هذه الاستعانة تكشف عن عمق الصراع ووصوله الى مرحلة خطيرة . وفي اثناء هذه السنوات برز اسم محمد اينجة بيرقدار ، عندما كلف بوضع حد للحالة غير الاعتيادية في نظر العثمانيين وقد جاءت نهاية الأسرة الجليلية في الموصل على يده كما هو معروف ولكن يبقى السؤال : من هو البيرقدار هذا . قائماً يذكر ان محمد اينجة بيرقدار تركي الاصل من مدينة بارطين في قسطموني ، خدم العسكرية في مصر وغيرها ، ثم طرد الى الشام ، وبدأ هناك بجمع اعوان له ، هاجم ديار بكر والموصل ، وفي احدى المرات وصل هجومة قريباً من باب سنجار فخرج عليه الاهلون وطردوه ، ولما سمع به والي بغداد علي رضا باشا أرسل في طلبة سنة 1833 م فاناط به حكم كركوك وتكليفة بقيادة حملة عسكرية لوضع نهاية للاسرة الجليلية ، وفي سنة 1835م اصبح والياً على الموصل ، ويعتقد ان تعيينه لحكم الموصل جاء اعترافاً بعمله العسكري ، وخبرته المتراكمة في شؤون المنطقة ، والملاحظه الجديرة بالاعتبار هنا أن سنوات حكم البيرقدار قد حفلت باصلاحات لم تكن مألوفة لدى السكان سابقاً ، كما ان معرفة السكان بالوالي الجديد عندما اقتحم احد أبواب المدينة ، قد جعلتهم يعيشون تحت عقدة الخوف من وجودة في المدينة ، فقد كانت ((صرامته الخطيرة الخالية من الرحمة)) كفيلة بخلق هذا الهاجس.
فقد كان اول عمل قام به محمد اينجه بيرقدار هو تطبيق ((القرعة))اي التجنيد الالزامي ، فعارضه السكان في ذلك ، فلجأ كعادته الى استخدام القوة المتناهية ضدهم ، وقد هددهم بقصف مدفعي في حالة عدم الامتثال ((فأذعن الاهلون قسراً ، وقبلوا بالجندية))هكذا تم تطبيق التجنيد الالزامي في الموصل في حين لم يجرأ احد على تطبيقة في جنوبي العراق قبل سنة 1870م/1287هـ . وقد بط بيرقدار عملة هذا بعمل آخر يعد ضرورياً ، الاوهو الاهتمام بالصناعة العسكرية وخاصة صناعة المدافع والقنابل والبارود وغيرها من الاسلحة ، فجلب صناعاً حاذقين ، فعمل مايزيد على الثمانين مدفعاً ، كما أمر بيرقدار بتعمير الثكنة العسكرية ((القشلة)) لايواء الجند ، والحق بها عدداً من الأفران لتموين الجند ، والتفت البيرقدار الى مسألة توفير الأمن في الطرق التجارية ، اذ كانت العشائر العربية والكردية تغير دائماً على القوافل التجارية وخاصة تلك السالكة الطريق التجاري التقليدي الموصل ـ ديار بكر ـ حلب . او الموصل ـ تلعفر بلاد الشام . وقد افاض المؤرخون في الاشارة الى حملاتة العسكرية ضد العشائر القاطنة في تلعفر او سنجار وغيرها من المناطق ، وقد اقترنت هذه الحملات بالقسوة والصرامة كما اشرنا الى ذلك. واذا كانت حملاته العسكرية ضد المناطق التي ذكرناها ، قد أثمرت في اسكات العشائر ، فان صراعه مع الشيخ صفوق بن فارس (1818 ـ 1847 م) ، لم يؤد الى نتيجة حاسمة . بل ان هذا الصراع قد ترك آثاراً اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة ظلت شاخصة فاعلة الى عهد قريب.
لقد بدأ الصراع بين والي الموصل محمد اينجة بيرقدار ، وصفوق بن فارس عندما رفض الاخير التنازل عن ((عانه)) لصالح بيرقدار . وكانت عانة قد أعطيت لشيخ شمر الجربا مكافأة له على موقفة ضد الفرس في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. وقد احتج بيرقدار على عدم أذعان صفوق لطلبه في ترك عانه ، وأخيراً نجح في أقناع علي رضا باشا والي بغداد بأبعاد صفوق عن عانه في نهاية عام 1841أو اوائل 1842. وقد لم يكن أمام صفوق أزاء هذا العمل الذي يمس قيمه الاجتماعية الا القيام بشن غارات على أطراف نهر الخابور ، والاتصال بالعشائر الاخرى للقيام بالعمل نفسه ، ولم تجد حكومة بغداد في عهد واليها نجيب باشا (1841 ـ 1847م)بُداً من العدول عن سياسة العداء تجاه الشيخ الشمري ، فأعلنت مرة أخرى أعترافها بعانة ضمن دائرة نفوذ شمر الجربا وكان ذلك سنة 1843 م وهي السنة التي مات فيها البيرقدار . ويعتقد أن سبب أعتراف حكومة بغداد بصفوق هو ظهور خطر عشائري جديد متمثل بعشائر عنزة .
ففي سنة 1844م تعرضت مدينة الموصل الى غارات عشائر عنزة ، وقد جاءت هذه الغارات في أعقاب حريقر مدمر جاء على ديارها سنة 1844م. فوقف كل من والي بغداد محمد نجيب باشا وحاكم الموصل محمد شريف عاجزين عن صد غاراتها . فلجأ الى صفوق بن فارس شيخ شمر الجربا طلباً للمساعدة فأندفع هذا ولأعتبارات ْأجتماعية وأقتصادية ، ومعه الف من أتباعة لمواجهة قوة عنزة البالغة بـ ( 120 ) ألف مقاتل يقودهم ادهام ابن غهيس العنزي
يقصد المؤلف (ادهام بن قعيشيش)
والى الشمال العربي من مدينة الموصل ، دارت الدائرة على العنزيين فأنسحبوا نحو تلعفر واسكي موصل ، وقد أستمرت المناوشات بين شمر وعنزة حتى 1845م اذ إنسحبت قوة عنزة الى الصحراء السورية .
انتهى
بقلم
ابو غلا الوبعي
محمد بن عيادة الحريصي الزوبعي