الشيخ صفوق الفارس الجربا ووحدة شمر :-
عندما تولي الشيخ صفوق بن فارس الجربا زعامة شمر حاول ان يعيد مجد شمر وقوتها على أرض الجزيرة , مستفيدا ً من الأوضـاع الداخلية في العراق وانشغال والي بغداد داؤد باشا في التحضير لغزو فارسي محتمل على العراق فنضم قواته القبلية وفرسانها وضبط القبائـل المجاورة لشمر تحت سلطته وعادت شمر من جديد بحنكة هذا الشيخ الشاب الــشجاع الذي سنراه يحكم شمر حوالي 3 عقود تميزت بالحروب الكثيرة التي خاضها الشيخ الشجــاع دفاعا ً عن عروبة أرضه ووقوفا ً إلى جانب الحق العربي ضد الهجمـات المشرقية وضد الهيمنة العثمانية ومتعاونا ً مع كل يد تمد له لنصرت الحق العربي و التطلع القومي العربي كما تميزت علاقاته خلال حكمه الطويل هذا بالمد والجزر مع ولاة بغداد والسلاطين الثمانيين , في حين أنه كان الشيخ المهاب الجواد الكريم المطاع عند شمر و ما جاورها من القبائل وقد سجل لنا القصيد البدوي الكثير من القصائد في مدح هذا الشيخ والتغني ببطولاته ومآثر.ومما قاله فيه الشاعر عبدالله بن ربيعه :-
يا لله يا ركبن تكلل هميما "=" عوجوا ركاب الهجن يا ركب المقيم
لبن الكرام الهاشمي الكر يما "=" يا ركب روحوا بالتحية وتسليم
سلام من طي الخوافي سليما "=" ماخاشره نوع الريا التواهيم
عين العديم إلي دهاه المظيما "=" حامي جوانب ساحته والملازيم
قالوا أحراش وقلت شايك صريما "=" ما ينقحم مأمون ضاري آليا ضيم
للملتقي ظل ظليل ونعيما "=" وللمعتدي نيران حربه مضاريم
هذا الفحل واجد افحول الحريما "=" الفحل ما يلجج مماقيم
مرهم كسر عانيته سم الخصيما "=" صافي كدر بالجاذبية خشن ونعيم
عدل عوج صفاك صفك حليما "=" خيالها رجالها بـالـمـلازيـم
آليا إعلتى حس التفك والرزيمـا "=" لاذن خفرات الموانع بصمصيم
فان قيل منهو قلت هداج تيما "=" عد قراح الملتقي للدواهيم
ويا ناشدن ماهو خفي لا تعيما "=" مفهوم ابو فرحان من غير تفهيم
ماباق عراة جليس ونديما "=" مقعد ازناد المرجلة للمواليم
زبن العديم تاي ددعاه العظيما "=" المبتسم يوم الرزايا مناظيم
بيت الندى وبضاعتي من قديمه "=" بيت العنا بيت الرجا للمعاد يم
ذا قول ضيف بات قول وحشيمة "=" بضف سلطان العرب طيب الخيم
لا وافدان الله بحالي عليمه "=" ولا شاعر يبغي العطا بالمناظيم
صفاك دار اعداه لو هي مقيمه "=" مجزي نواظرهم وهو بالحرم نيم
اثني على بيت المحمد القديم "=" سقاه من وبل الحيا هاتف الدين
بيتن يعلو للعرب مستقيمة "=" أمين قولوها معي بالخواتيم
ويصف لنا احد قواصيد البدو بصري الوضيحي المحزم بقوله :-
من كلكلة شديت كورن نقيبي "=" ودلت من الزرقا مداحل قرنها
تخوي كما يخوي مع المحزم ذيبي "=" ولي له ريفن لا يعه مامكنها
اليا هازها المحجان تجيبه حطيبي "=" تفزيز بزوى جفلت من عدنها
ونطيت راس الحيد يومن تبيبي "=" مرقب عرودا منبهج انهاج عنها
طالعت بالخابور شوفي ٍ جريبي "=" يعقرا ولو هو من محاري كمنها
ثار به من المرفوع طرشن عزيبي "=" غربي تليل النيل مداحل اثغنها
طالعت بيت الشيخ ضد الحريبي "=" صفوق ثجيل الروز حامي ضعنها
شيخن على كل المشايخ تعيبي "=" ولا ينهي عن رادة يوم ينها
شيخن يبنى والدخن تقل سيبي "=" سيب العراق آليا تطانب دخنها
يلقط صحونن به هبيط وعصيب "=" ولا قللوا أكالة الزاد منها
يا الله طالبتك لا تخيب نصيبي "=" بشولن ومشوال يبارن ضعنها
ومشمرن ماهي خطات الهليبي "=" شود المصامح ينشد الشيخ عنها
أبرها حنطة وزبدة حليبي "=" وكابون حدر السرج ضافي بدنها
مع سربتن يجداه حس الويبي "=" عصلا عمودي ما حلى من لحنها
ان صاح صياح الضحى وقال ريبي "=" وغزلوى بيراس قايد رعنها
تعلوهن زوبعن كالذهيبي "="كلن يخم أعنانها مع رسنها
وبراشمن بمشمرات السبيبي "=" يشدن عصافير القرايا لحنها
وتجاذبوا مثل المحوص الجليبي "=" وكلن يقولن الملبسة من طعنها
صويب شقران الذرى ما يطيبي "=" عليه سكلن العذارى وجنها
أكثر صياح البيض واشق جيبي "=" كلن يقول بعرسته مال عنها
من مبلهن لثري لأم الحليبي "=" غربي هبات الطير ينحون عنها
كدرى ورضيع الديد منها يشيبي "=" بخيت يالي حده البعد عنها
ياناشدن عني تراني بطيبي "=" جني بوسط لا يتي وخير منها
يم السمول امدلهين الغريبي "=" هل أرباع ينشد الضيف عنها
ويصف ابن سند الشيخ صفوق الجربا بقوله " صفوق هذا بقتح الصاد المهملة والفاء بعدها واو ساكنه والقاف هو في الأصل الممتنع من الجبال ومن القسي والصخرة الملساء المرتفعة جمعه صفق ككتب فسمي به هذا الكريم الذي أثرى بقافلة العديم وأيم الله أنه لعديم النظير في كرمه الذي عنه لسان النعت قصير ولا غزو ان يحذو الفتى حذو آبائه وأباؤه ما منهم إلا من يضرب المثل بسخائه وقال فيه :-
هم الاكارم فاسأل عنهم منهم "=" من يسألون إذا ما إشتدت ألأزم
من حل ساحتهم ضيفا ً رأى بهم "=" أسدا ً إذا صدموا سحبا ً إذا كرموا
ما ضام جارهم دهر ولا خذلوا "=" مولى ً ولا خموا طبعا ً ولا وجموا
ما شام نار قرى ً سار ٍفيممها "=" إلا وافعـهـا حتى تشام هم
لو رام ضيفهم أرواحهم سمحوا "=" فليتق الله في الأرواح ضيفهم
ماساد سائدهم ألا بمصلتة ٍ "=" خضابها علق ممن بغى ودم
وحقهم مااضاءت نار عادية ٍ "=" إلا وموقدها أسيافهم بهم
ما فاخروا العرب ألا فاق ناشئتهم "=" بكل فضل به فاقت كولهم
مولـّعون بما اباؤهم الفوا "=" قبل الفطام الندى يهوى وليدهم
كأنهم لقرى الاضياف قد خلقوا "=" وللطعان لأسد الغاب تصطدم
مخدمون ولكن في مجالسهم "=" لكل ضيف بتعجيل القرى خدم
لولاهم ما زها بدو ورابية "=" ولا زها أجا والنير والعلم
ولا ظعائن في البيداء عودها "=" طعن الفوارس عنها صيرم رزم
إذا إنتمى فالى الاجواد من ثعل ٍ "=" والباذلين إذا ما ضن غيرهم
والحاملين من الخطي اطوله "=" كي يعلم الأسد ان الرامحين هم
والنازلين بنجد ٍ كل رابية ٍ "=" عنها تقاصرت الحزان ولأكم
لم يركبوا العير في بدو ٍ ولا حضر ٍ "=" لكن شياظم منها الكمت والدهم
شمُ اباة فما ادوا إلى ملك ٍ "=" أتاوة او عرا جاراتهم ظلم
لا يشتكي جارهم منهم سوى كرم "=" لو بثوا في ألأرض لم يوجد بها لؤم
هم ينحرون من الكوم البهارز ما "=" لو كان كان في إرام ٍ مامسها قرم
لوكان في الناس منهم واحد ودعوا "=" من الكرم لأوحى نحو الكرم
لم ادر مطلقهم اندى واكرم ام "=" أبوه ام فارس أم ذا صفوقهم
لكن سألت الندى عنهم فقال ا لا "=" كل كرريم وأسخاهم أخيرهم
يكاد من كرم الأخلاق يبذل ما "=" في ألأرض وهو يرى ان الندى وجم
اعطى صبيا ً ففاق الجود من هرم ٍ "=" وهل يضارع شيا ً نائلا هرم
سل عن فواضله أعداء فهم "=" من عد ما أثبتوا من نزرها سئموا
ياشمريا ً رأينا من مواهبه "=" ماليس يحصره طرس ولا قلم
اني مدحت لسمعي عنك ماقصرت "=" عن ان تجاريه في سحه الديم
فسيرت فيك افكاري قوافي لا "=" تنفك تضرب امثالا ً فتنسجم
ولم أرد بمديحي فيك جائزة ً "=" وأن تكن ثريت من سببك ألأمم
لكنني رجل أهوى الكرام ومن "=" كانوا لخير وزير ٍ في الورى خدم
إذ كنت افرغت وسعا ً في نصيحته "=" وكنت قاضبه لما بغى العجم
نصرته ببني عم ٍ ضراغمة ٍ "=" باعوا على كل خطار ٍ نفوسهم
فصبحوا عجما ً قد خالفوا وبغوا "=" بمرهقات ٍ تخال الشهب فوقهم
هم صبحوهم ولكن انت قائدهم "=" لولاك ماكسروا هاما ً ولاجزموا
إذ ساروهم على جرد ٍ مطهمة ٍ "=" لو لم يكونوا جبالا ً حلقت بهم
شم العرانين مالانت شكائمهم "=" ان لان من غيرهم حادث شكم
سلوا السيف على سود الوجوه فمذ "=" شاموا بوارقها إنجابت بها الظلم
روافض حسبوا فجر الهدى سحما ً "=" وليس مثل البياض الساطع السحم
راموا معاداة من ظلت بوادره "=" بالمرهقات من الباغين تنتقم
ومذ اذاقهم من الخطي مرتعشا ً "=" والمشرقي به المستأسد الشكم
ردوا خزايا على الاعقاب تخصبهم "=" باالبيض والسمر أبطال الوغى القدم
والدارعون ولكن بالقلوب فكم "=" كروا وما ادرعوا إلا قلوبهم
فكنت اجراهم مهرا ً إلى رهج ٍ "=" والبيض تنشر والمران ينتظم
قدساعدتك اسود قال قائلهم "=" سلوا الظبي وبحبل الله فأعتصم
فعرد اعجم امثال الرئال وهل "=" يصادم العرب في كراتها العجم
لله عرب اطاعوا أمر منصلت ٍ "=" وهزبري له سمره أجم
لولاه غشى السواد الرفض من عجم "=" سود الوجوه إذا لم يظلمو ظلموا
لكنه ذادهم عنه بمنصلت ٍ "=" فأسلموا العز لما سل وإنهزموا
فخرا ً صفوق لان ناصرت منتصرا ً "=" به ألأماثل في أيامه ختموا
وتعد مدة مشيخة الشيخ صفوق الجربا الممتدة من 1819-1847م الذي كانت ولادته بعد عام 1791م فيما يعرف عند البدو ( بمصافق الأكـوان )
لكثرة الوقائع الحربية التي خاضتها شمر مع القبائل الأخرى على أرض نجد , وهي من أدق الفترات في تأريخ المشرق العربي فقد عاصر الشيخ صفوق العديد من الشخصيات التاريخة التي لعبت أدوارا في تأريخه أمثال داؤد باشا والي بغداد والسلطان محمود الثاني (1808-1839)م .
ومحمد علي الباشا والي مصر (1805-1849)م وشاه فارس فتح علي الذي حاول ان يمد نفوده وأطماعه تجاه العراق ويضع هذه الأرض الطيبة تحت إحتلاله مما كان لشمر والشيخ صفوق بالذرات الدور البارز في صد هذا العدوان. وكانت مدة مشيخة صفوق الأولى صعبة للغايه بالنسبة له ولشمر فقد عانت شمر من حرب هزمت بها أكثر من مرة وجاء إلى حكم بغداد والي متسلط أراد ان يجمـع الأموال لسد حاجة ولايته ويدفع إلى السلطان العثماني ما يتوجب عليه من ضرائب, وكانت القبائل إحدى الموارد التي إتجه إليها داؤد لجمع الأموال وشمر بالذات حيث طلب الوالي من الشيخ ان يؤدي ماعليه من ضرائب في الوقت الذي أدرك فيه الشيخ صفوق حال شمر غير المرضي وما عانته من قلة الكلأ والمؤن لاسيما وأنها مرت بمواسم غير جيدة فرفض الشيخ صفوق دفع الضرائب لداؤد باشا .
إنقلبت الحال لصالح الشيخ صفوق إذ ان الوالي الذي أراد ان يجهز حملة لتأديب شمر فوجيء بوقوف قبائل الأصكور في وجهه وهزم هزيمة نكراء في الوقت الذي كان فيه المحزم يعمل كل جهده لأجل رأ الصدع الداخلي في بيت الرئاسه ومصالحه العمام وتقوية شمر ومحاولة إعادة سلطانها وهيبتها بتجريد بعض الغزوات على قسم ممن جاوره من القبائل لإعادة سلطة شمر عليها تحصيل الخوة التي هي رمز سلطته كي تستطيع شمر ان تكون القوة المدافعة عن الجزيرة وقبائلها والعراق إذا جاز التعبير ويجدر بنا وقبل الدخول في مجمل الإحداث والمعارك التاريخية التي خاضها الشيخ صفوق ان نشير إلى الطبيعة القتالية للقوات البدوية والتي كان لها الدور الأكبر في كثي من الأحداث إذ شكل المجتمع البدوي بوتقه لصنع المحاربين الشجعان فقد إكتسب لبسالة في القتال الشاب البدوي الشجاع مكانته العظيمة في قبيلته . بالأضافة إلى القيم النفسية التي ترتكز على البراعى العسكرية فقد أعدت حياة الصحراء البدوي للمعارك ومنذ الشباب يتعلم الصبيان بإتقان مهارات ركوب الخيل والجمال. ويفتخر كل شاب بدوي بقدرته على ذلك ويحاول التغلب على أصدقائه الشباب.
وقد وفرت الحياة البدوية أيضا ً فرصة ممتازة للمحارب الشاب ليكتسب مهارة جيدة في إستعمال البندقية والسيف والرمح بالإضافة إلى الشلفا وغالبا مارافق الصبية آبائهم في الصيد وفي مجموعات الإغارة ومارسوا لعبا ً عديدة شحذت من قدراتهم على إستعمال أسلحة مختلفة .
وحتى أواخر القرن التاسع عشر ظل الرمح السلاح المفضل للمحارب البدوي في شمر, وعلى ذلك فان البدوي من طراز رفيع وهو أقرب إلى الجندي أو الشرطي منه إلى راعي الجمال ومن أسمى واجباته حماية اللاجئين من القبائل الأخرى , أي أولئك الذين يدخلون في جواره بالطريقة التي سنها العرف أو الذين يريدون ملجأ ً حتى يبلغوا مأمنهم خارج حمى القبيلة وحماية المسافرين داخل الحما منذ دخولهم أليها وحتى خروجهم منها مرتبطة كلها [ بوجه الرجل ] الذي هو شرفه ومن أخلاق البادية اكرام الرديف وهو ذلك الفرد الذي يترك قبيلته وينظم لاخرى لاسباب عدة ويصبح أخا ً لواحد من أفراد هذه القبيلة ويكون له فضل كبير إذا ماحدث صدام بين قبيلته الأولى والتي التجأ اليها إذ أن من أولى واجباته فك الأسرى والتوسط بين القبيلتين .
وقد وصف الرحالة دارفيو البدو واخلاقهم في الغزو خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر فقال : ان أولئك القوم الذين يقومون بالغزو هم رغم ذلك على جانب الأخلاق السامية يحفظون الذمام ويكرمون الضيف إلى أقصى حدود الكرم يغارون على العرض ويتحلون بالإباء والشمم , وليس الغزو حربا ً لأنهم لا يهاجمون إلا إذا وثقوا من تفوق قوتهم , أما إذا غلبوا على امرهم فإنهم لا يسدون الرماية للقتل رغم ان الغيض يتملكهم إذا لقوا مقاومة او جرحوا لان الهدف الذي يرمون اليه ليس الا الحصول على الغنيمة فحسب .
هذا بخلاف الجند المماليك الذين سكنوا المدن ألا في اوقات الحملات الإقليميه ينشغل المحاربون البدو في النشاطات العسكرية طوال السنه على شكل غزوات ضد القبائل المجاورة ورغم ان هذه الغارات كانت تتسم بروح رياضية إلا أنها وفرت فرصة عظيمة لشحذ المهارات الحربية ففي الغزوة كانت الفرصة جيدة للمحارب كي يظهر براعته القتالية ليفوز بشرف كبير بشجاعته ولقد استخدم البدو إلى جانب قدرتهم القتالية المتفوقه معرفتهم الممتازة لجغرافية الصحراء في مراوغة القوات الحكومية .
في السنوات الأولى لكل من حكم داؤد باشا لبغداد ولمشيخة الشيخ صفوق على شمر كان كل من الإثنين يكن للآخر الحذر وعدم الثقة في النية تجاه الآخر لكن عندما تكون أرض الوطن في خطر لوجود قوة خارجية تحاول النيل من أرض العراق وإحتلاله ترى الأيدي تجتمع والكلمة تغدو واحدة للدفاع عن تراب العراق وصد العدوان الفارسي الذي أراد إحتلال أجزاء هذا الوطن .
* آل جربا ومشاهير قبيلة شمر في الجزيرة العربية ص 119 .