أشاد الشيخ الدكتور حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين بالانتصارات والملاحم البطولية التي سطرتها المقاومة العراقية الباسلة في مقارعة الظلم والاحتلال البغيض الذي مازال جاثما على صدور العراقيين منذ أكثر من سبع سنوات .
وأوضح الشيخ الضاري في رسالة مفتوحة وجهها اليوم إلى الشعب العراقي بمناسبة الذكرى الـ(90) للملحمة التأريخية الكبرى لثورة العشرين المباركة ان أبناء المقاومة العراقية الأبطال الذين ساروا على خطى الآباء والأجداد تمكنوا من مواجهة قوات الاحتلال الغازية وتكبيدها أفدح الخسائر بالأرواح والمعدات العسكرية، كما أجبروا إدارة الاحتلال السافر على تغيير خططه وإستراتيجيته أكثر من مرة، وعلى جدولة انسحاب قواته من العراق .. معربا عن ثقته بأن رجال المقاومة احفاد رموز ثورة العشرين سيضعون بعون الله تعالى نهاية لهذا الاحتلال عاجلا أم آجلا.
واستعرض الدكتور الضاري في رسالته ما لحق بالعراقيين الصابرين من ظلم واضطهاد وقتل واعتقال واختطاف وابتزاز، وتعذيب واغتصاب، وما جلبه لهم الاحتلال المقيت وحلفائه في الداخل والخارج من ويلات ومصائب .. مشيراً إلى استشهاد ما يزيد على مليوني عراقي بريء، وما يربو على مليون أرملة وخمسة ملايين طفل يتيم ، ونحو سبعة ملايين مهجر داخل العراق وخارجه، وانتشار الفقر والبطالة ، وإزالة المعالم الحضارية والوطنية ومحاولة تغيير الهوية العربية لهذا البلد الجريح ، وفتح أبوابه لكل قوى الشر الحاقدة ، لتعيث فيه فساداً ودماراً ، إلى جانب فقدان الأمن والخدمات الضرورية، من كهرباء وماء وغير ذلك.
وأكد الأمين العام للهيئة ان الانتخابات الأخيرة لم تأت بشيء جديد للعراقيين بل أدت إلى تعقيد الأمور وزادت الأوضاع سوءا، وذلك لعدم وجود الإرادة الحقيقية للتغيير والإصلاح لدى الاحتلال وحلفائه الذين يرون أن مصالحهم لا تتحقق إلا باستمرار هذه الأوضاع المأساوية الشاذة على حساب العراق وشعبه .. موضحاً ان شعارات الوطنية والديمقراطية الزائفة التي يتشدق بها المسؤولون في الحكومة الحالية ويختبأون خلفها ما هي إلاّ استدرارا لعواطف العراقيين وتمرير ألاهداف الخبيثة للاحتلال واعوانه.
ودعا الشيخ الضاري أبناء الشعب العراقي إلى التسامح فيما بينهم وتوحيد كلمتهم ورص صفوفهم لحماية دينهم وتحرير وطنهم من دعاة الفتنة والطائفية، والسير على خطى آبائهم وأجدادهم، أبطال ثورة العشرين في انتزاع مطالبهم وحقوقهم بالقوة، ومساندة المقاومة العراقية لتحرير أرض الرافدين الطاهرة من رجس الاحتلال الأمريكي .. مشيراً إلى أن التظاهرات والاعتصامات التي شهدتها العديد من المحافظات العراقية تعد رافداً مهمّاً من روافد مساندة المقاومة الوطنية في مناهضة الاحتلال ورفض الظلم والاستبداد.
وفي ختام الرسالة حيا الشيخ حارث الضاري أبطال ثورة العشرين وأبناء المقاومة العراقية الباسلة والشعب العراقي الأبي .. مطالبا إياهم بالمزيد من الصبر والثبات والتحمل، حتى يتحرر العراق ويعود بلداً حرّاً موحَّداً، كريماً عزيزاً، كما تضرع إلى الباري جل في علاه أن يتغمد الشهداء بواسع رحمته ورضوانه.
وفي ما يأتي نص الرسالة :ـ
رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي بمناسبة ذكرى ثورة العشرين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) آل عمران:200
أيها العراقيون الأباة
يا أبناء شعبنا العراقي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الأخوة الأعزاء تمر علينا هذا اليوم ذكرى الملحمة التأريخية الكبرى ملحمة ثورة العشرين المباركة، بعامها التسعين ثورة البطولة والإباء، ثورة الشعب العراقي ضد الاحتلال الانكليزي للعراق عام 1920م من القرن الماضي، التي أخضعته للاستجابة لمطالب الشعب العراقي، في إقامة حكم وطني، والخروج من العراق في نهاية الأمر، هذه الثورة التي سجلت اكبر حدث وطني في سفر العراق في القرن العشرين، وشارك فيها من حباهم الله تعالى بشرف المشاركة من أبناء العراق من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وفقد فيها الاحتلال الانكليزي الكثير من رجاله وقادة جيشه، في دهوك وأربيل والسليمانية والموصل وتلعفر، والديوانية والسماوة والنجف وكربلاء، وديالى وبغداد وأبي غريب والفلوجة والرمادي وعنه والقائم، وغيرها من مدن العراق وقراه، دفاعا عن دينهم ووطنهم وحرماتهم.
وها أنتم اليوم ومنذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عام 2003مـ تواجهون احتلالا آخر أكثر إجراما وفتكا، وأخطر أهدافا وأوسع أطماعا من سابقه، قامت به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الذين جاءت بهم من الغرب والشرق.
ولا يزال هذا الاحتلال البغيض جاثما على أرضكم الطاهرة وقد تصدى له والحمد لله أبناؤكم الأبطال الذين ساموه الذل والرعب والخسف انتصارا لدينهم وحماية لأرضهم وعرضهم والذين ساروا على خطى الآباء والأجداد، في مقارعة الظلم والاحتلال: أبناء المقاومة العراقية الباسلة، من أيامه الأولى ولا زالوا يقاومونه وأوقعوا فيه خسائر فادحة، في كافة المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وغيرها من الخسائر المادية والمعنوية، التي لم يكن يتوقعها، واجبروه على تغيير خططه وإستراتيجيته التي أعتمدها في احتلاله للعراق أكثر من مرة، وعلى جدولة انسحابه من العراق رغم صلفه وجبروته، وهم الذين سينهون وجوده في العراق بعون الله تعالى عاجلا أم آجلا.
أيها العراقيون الصابرون المرابطون، لا يخفى عليكم ما لحق بكم من ظلم وأذى، وببلدكم من خراب ودمار على يد الاحتلال الأمريكي وحلفائه في الداخل والخارج، هذا الاحتلال الذي أسال الدماء، وخرب البناء، وأزال المعالم الحضارية والوطنية لبلدكم، لتغيير هويته وانتمائه، وفتح أبوابه لكل قوى الشر الحاقدة عليه والطامعة فيه، لتعيث فيه فساداً ودماراً ، وكان نتيجة ذلك:استشهاد ما يزيد على مليوني إنسان عراقي،وما يربو على مليون أرملة وخمسة ملايين يتيم ، ونحو سبعة ملايين مهجر في الداخل والخارج، وأكثر من ثلاثة ملايين مريض بأمراض مختلفة يعانون من نقص الدواء، وفقد العلاج المناسب، إضافة إلى الفقر والجوع، حيث تفشت البطالة وعم الفقر ووصل في سني الاحتلال وخاصة السنين الأربع الأخيرة منها إلى مستويات لم يشهدها العراق في تاريخه، هذا إلى جانب فقد الخدمات الضرورية، من كهرباء وماء وغير ذلك، والخوف وفقد الأمن، بسبب ممارسات الاحتلال وحكوماته، وقوى الشر والجريمة متعددة الأسماء والهويات، التي أتاح لها الاحتلال: العبث بحياتكم وأمنكم ومقدراتكم، حيث تعرضتم لأبشع أنواع الأذى والاضطهاد من القتل والاعتقال والاختطاف والابتزاز، والتعذيب والاغتصاب، ولا زلتم تتعرضون لذلك، لا لشيء إلا لأنكم ترفضون الاحتلال ومشاريعه، وما جره عليكم من مصائب وويلات.
أيها الأخوة الأعزاء:
لقد جرت الانتخابات الأخيرة في هذه الظروف والأوضاع المأساوية والقاسية عليكم، وشارك فيها من شارك، وعول عليها الكثيرون منكم ومن غيركم، أملا في تغيير هذه الأوضاع، أو على الأقل: التقليل من شرها وقسوتها، ولكن لم يحدث شيء من ذلك، وإنما الذي حدث هو العكس، وهو تعقيد الأمور وزيادة الأوضاع سوءا، حيث لا توجد الإرادة الحقيقية للتغيير والإصلاح، بل لا توجد مجرد النوايا الصادقة لذلك أصلا، لدى الاحتلال وحلفائه، الذين يرون أن مصالحهم لا تتم إلا بمثل هذه الأوضاع المأساوية الشاذة، ولو على حساب العراق وشعبه، وما الوطنية والديمقراطية وغيرهما من الشعارات الزائفة التي تشدقوا بها واختبأوا خلفها إلا لاستدرار عواطفكم وتمرير ما يريدون عليكم ليس إلا،
وعلى هذا فإن التغيير بأيديكم وأنتم القادرون عليه وحدكم، لأنكم أصحاب الحق الشرعي فيه دون غيركم؛ إذا تسامحتم فيما بينكم، وحميتم دينكم وأرضكم ووحدتكم الوطنية من دعاة الفتنة والطائفية، الذين عرفتم ـ والحمد لله ـ أهدفهم وأهداف أسيادهم منها، واستجبتم لما يرضي ربكم وسرتم على خطى أبائكم وأجدادكم، ثوار ثورة العشرين في انتزاع مطالبهم وحقوقهم بالقوة، من براثن الاحتلال الانكليزي الجائر كما مر، وعلى طريق أبنائكم: أبناء المقاومة العراقية الباسلة، التي تقاوم الاحتلال الأمريكي اليوم، لتحرير العراق منه ومن مشاريعه الخطيرة، وهي على طريق تحقيق ذلك بعون الله تعالى.
فعلى من يستطيع منكم الالتحاق بها، أو شد أزرها بأساليب أخرى من أساليب المقاومة المشروعة، مثل التظاهرات والاعتصامات ،وغيرهما على أقل تقدير.
إن تظاهرات البصرة والكرادة والناصرية وكربلاء والكوت والأنبار، ومن قبلها اعتصامات الموصل التي جاءت في سياق الاحتجاج على الظلم وغياب الخدمات، فإنها تعد رافدا يصب في هذا الحوض المبارك لأنها تعبير عن رفض الظلم والمطالبة بالحق، وهذا فعل مساند لمشروع المقاومة الوطنية في الخلاص من الاحتلال ومشاريعه، فلا تتوانوا عن ذلك لتحوزوا شرف الدفاع عن دينكم وبلدكم وأمتكم، ولتذكروا بالعز والفخار، كما يذكر بذلك أسلافكم من ثوار ثورة العشرين الخالدة.
وأخيراً: نحيي أبطال ثورة العشرين، وندعو لشهدائها بالرحمة والرضوان، ونحيي أبناء المقاومة العراقية الأبطال، مستحضرين شهداءها عليهم الرحمة والغفران، كما نحيي كل أبناء شعبنا العراقي الأبي بهذه المناسبة العزيزة عليهم وعلينا جميعا، وندعوهم إلى المزيد من الصبر والثبات والتحمل، حتى يتحرر العراق وتزول الشدائد والمحن منه بقوة الله ومدده، ويعود للعراقيين بلدهم حرا واحدا،كريما عزيزا وما ذلك على الله بعزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حارث الضاري
الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق
18 رجب 1431هـ 30/6/2010م