محكمة سمرقند التاريخية ؟
الفتح الإسلامي لم يكن غايته ضم البلدان إلى الوطن الإسلامي بقصد سلب أموال الأهالي أو التسلط على ممتلكاتهم أو استغلال مواردهم الطبيعية وخيراتهم المعدنية أو الزراعية، أو إحراز الغنائم ، يدل على هذا كلمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ....... الكلمة الخالدة التي وجهها لبعض ولاته وهي:
إن الله بعث محمداً بالحق هادياً ولم يبعثه جابياً. وقال ربعي من عامر مبعوث سعد بن أبي وقاص إلى رستم قائد الفرس في وقعة القادسية:
«إنا لم نأتكم لطلب الدنيا، ووالله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم».
ويوضح حقيقة مقصد المسلمين من فتوحاتهم فضلاً عما ذكرناه قول عبادة بن الصامت للمقوقس:
«إنما رغبتنا وهمّتنا في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا لعدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا، ولا طلب للاستكثار منها… ....
فكان القادة الفاتحين هدفهم رفع راية التوحيد خفاقة في البلاد التي ينون نشر الإسلام فيها وبين أيديهم ثلاثة خيارات
( الإسلام – الجزية – الحرب ) وكلامنا الآن مع أحد قادة الفتح الإسلامي
الذي دخل أحد البلاد بدون إعلام أهلها
فاجتاحها وسيطر عليها ظنا منه أنه بلغها خبر الجيش الإسلامي
عن طريق البلاد المجاورة – فشكوه أهلها إلى
القائد الأعلى للدولة الإسلامية وقتها – الخليفة
( عمر بن عبد العزيز ) فهل تأخر الخليفة ، أو تذرع بحجج ما ؟؟؟
أو ألقى الشكوى في هب الريح ؟؟؟ لقد أمر بإجراء محكمة فورية عاجلة –
ترى ما نوع هذه المحكمة ؟؟؟
وهل لها ندا من التاريخ ؟؟؟ لننظر !!!!!!!!!!!!
جرت على مر التاريخ محاكمات عديدة، ومعظم ما سجله منها
محاكم ظالمة..
كمحاكم التفتيش
ومحاكم النازية
ومحاكم اليهود
وغيرها من المحاكم المشهورة، وقليل ما سجل التاريخ محاكم عادلة
ولعل من أبرزها وأشهرها القضايا التي فصل فيها الصحابي الجليل
على بن أبي طالب رضي الله عنه ) وقضايا مماثلة ربما كانت فردية
لم تأخذ الطابع العام كما حدث مع مدينة ( سمرقند ) التي تتوسط آسيا ؟؟؟؟
إنها محكمة غريبة وشهيرة اسمها «محكمة سمرقند»
سجلها التاريخ، فما حكايتها.. !!!!! ؟؟؟؟
تقع مدينة «سمرقند» في آسيا الوسطى، أرضها خضراء وفيها
من النعيم والجبال والتلال والغابات، وهي مدينة مليئة بالذهب
والفضة والحرير والخزف والثروات الطبيعية، كما أن لها جيشا قويا شديدا
.وكان أهل سمرقند وثنيين يعبدون الأصنام التي صنعوها من الأحجار
وكانت هذه الآلهة في معبد وسط الجبال، ويعتبر هذا المعبد لكبار الرهبان
وهناك العديد من المعابد الصغيرة المنتشرة في وسط سمرقند.
وحينما أتى الجيش الاسلامي بقيادة «قتيبة بن مسلم»
على مشارف سمرقند، وهو يعرف شدة وقوة جيشها، أمر جيش المسلمين
بأن يتجه نحو الجبل خلف المدينة ليهجم عليهم بغتة، وبالفعل نجحت الخطة
وكان فتحا مؤزرا قليل الخسائر البشرية من الطرفين، فهرب الرهبان
الى المعبد الكبير وسط الجبال، واختبأ أهل سمرقند في بيوتهم لا يخرجون
خوفاً من المسلمين، واستقر الوضع للمسلمين، فبدأ بعض السمرقنديين الخروج
من منازلهم لجلب الماء والطعام، وكان المسلمون لا يتعرضون لهم بل
كانوا يساعدونهم
فبدأ الاطمئنان يدخل قلوبهم، وما هي الا فترة قصيرة حتى
رجع الناس لمحلاتهم
ومزارعهم وممتلكاتهم، فوجودها كما هي
لم ينقص منها شيء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!
نعم لم ينقص منها شيىء ؟؟؟؟
وبدأت الحياة الطبيعية تسير بين المسلمين وأهل سمرقند بالتجارة
ووجدوا المسلمين ؟؟؟ أمناء ؟؟؟؟؟؟؟؟
في تجارتهم لا يكذبون ولا يغشون ولا يظلمون، فأعجبوا بهم
وزاد هذا الاعجاب بأن تشاجر اثنان واحد من أهل سمرقند ......
والآخر من المسلمين، فذهبوا للقاضي المسلم ؟؟؟؟
فكانت مفاجأة غيرت الموازيين لدى أهل سمرقند
فحكم القاضي ؟؟؟ للسمرقندي..... .فوصل الخبر للرهبان الهاربين
في المعبد الذي بالجبل، فقالوا :
إذا كان قضاؤهم بهذا العدل، فلابد من وجود حاكم عادل، فأمروا
أحد شباب المعبد بأن يذهب لحاكم المسلمين
ويخبره بما حدث.
كان أهل سمرقند يأتمرون بأمر كهنة قد قلدوهم أمر دينهم وقوانينهم
وكان من عادة المسلمين كما هو معلوم عند
غزوهم لأي بلد أنْ يخيروا أهلها بين ثلاث أمور ، الإسلام ....
أو الجزية .... والتعهد لهم بالحماية ، أو الحرب
ولكن في هذه المرّة اجتهد القائد قتيبة وقام بمباغتتهم ودخل
بلادهم فجأة ودونما مقدمات ؟؟؟
أولاً من أجل قوتهم ومنعتهم ، وثانياً ظناً منه أنَّ دعوة الإسلام
قد وصلتهم لأنه قد فتح البلدان القريبة منهم بعد أن أبوا إلا الحرب
وتم لقتيبة الانتصار على سمرقند بهذه الطريقة التي اختارها
ولكن الأمر لم يطب للكهنة فقرروا إرسال رسالة
إلى خليفة المسلمين في دمشق لما سمعوا من عدله وإنصافه .
إنطلق هذا الفارس المُرسَل من الكهنة فوصل إلى دمشق .......
ولندعه يخبرنا بما جرى معه ...
يقول الفارس : لما وصلت دمشق سألت عن قصر الخليفة
فأشاروا إلى دار ........ من طين ! ؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!!!!!!
لم يشاهد قصورا تعكس هيبة الخليفة – أو حرسا مدججين بالسلاح –
أو غرفة استعلامات ؟؟؟؟ أو إجراء تحقيقات
لمعرفة طبيعة القادم ؟؟؟ وإن كنت أميل لهذه الإجراءات من باب الحذر والحيطة
يقول : فاقتربت منها أي دار الخليفة والتي هي من طين ؟؟؟؟
وإذا برجلٍ يأخذ طيناً ويسد به ثلمة في أعلى جدار
الداروامرأة تناوله الطين ، فعندما رأتني اقتربتُ دخلتْ
دارها ، ونزل الرجل ورحب بي ثم دخل ليغسل يديه وخرج سريعاً
وقال لي ما خطبك ؟
قلت :
يا أمير المؤمنين رجلٌ من أهل سمرقند أحمل مظلمة ، ثم ناولته الرسالة
فقرأها ثم قلبها وكتب على ظهرها سطراً
واحداً فقط :
من عمر بن عبدالعزيز إلى والي سمرقند ، نصِّب قاضياً ينظر
فيما ذكروا والسلام .
ثم ختمها وناولنيها ، فخرجت من عنده وأنا أقول في نفسي :
ماذا عسى هذا السطر أن يفعل في تلك الجيوش الجرارة وذلك القائد
الذي التهم المشرق بدهائه وقوته ؟
فلما وصلت سمرقند أعطيتها الكهنة ، فقالوا : وما تغني هذه الورقة
ثم ذهبوا بها إلى والي سمرقند فنصب لهم القاضي
( جُميْع بن حاضر الباجي ) لينظر في شكواهم ، فحضر الكهنة
عند اليوم المحدد لهم في باحة المسجد ، وبعد قليل دخل
القاضي ؟؟؟؟؟
وإذا به رجل على هيئة الأعراب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هزيل الجسم شاحب اللون
قد لاث على رأسه عمامة له وليس معه إلا غلام !!!!!!!!!!!!
عند ذلك انطفأت في نفوس الكهنة آخر شموع الأمل ، إذ لم يكن منظره
منظر الرجل الذي تخيلوه ، أهذا هو الرجل الذي
جاء ليحكم على قتيبة العظيم ؟
بدأت المحاكمة ؟
نادى الغلام : ياقتيبة ( هكذا بلا لقب )
فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع بن حاضر الباجي
ثم قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟
قال : إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ولم يمهلنا
حتى ننظر في أمرنا .
إلتفت القاضي إلى قتيبة وقال : وما تقول في هذا يا قتيبة ؟
قال قتيبة :
الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا
يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية .
قال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟
قال قتيبة : لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك .
قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة
يا قتيبة : ما نَـصَر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل .
ومنع الظلم وإراقة الدماء بغير حق ................. ..................
ثم قال القاضي :
قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام
وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور
وأنْ لا يبق في سمرقند أحد -- على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك !!
إما الدخول في الإسلام – وإما الجزية – وإما الحرب
لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!!!!!!!
فلا شهود ؟؟؟؟ ولا أدلة ...... ولم تدم المحاكمة إلا
دقائقاً معدودة ؟؟؟؟؟؟؟؟ وبدون استئناف ؟؟؟؟
وهكذا ... لم يشعروا إلا ...... والقاضي ........ والغلام ........
وقتيبة ................ ينصرفون أمامهم!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات
ترتفع وغبار يعم الجنبات ؟؟؟؟ !!!!!!!
ورايات ترتفع خلال الغبار !!!!!!
فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُـفِــذَ وأنَّ الجيش قد انسحب - وذلك في مشهدٍ مهيب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!
في مشهد إيماني روحاني تجاوبت فيه السماء مع الأرض ؟؟؟
هذا المشهد ؟؟؟
تخطى حدود هذا العالم الأرضي - ليلتقي مع طهارة السماء -
مشهد أبى التاريخ أن يعيد جولته ثانية - وربما يعاد ؟؟؟
وما إنْ غَرُبت شمس ذلك اليوم---------- إلا والكلاب تتجول بطرق
سمرقند الخالية وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ
لكن ما يثير الغرابة ؟؟؟ ؟ صوت البكاء من كل جهة - ونحيب من كل زاوية -- وآهات من كل شرفة أو بيت -
- تُرى ما سبب البكاء - والنوح ؟؟؟ هل دُمِرت البيوت أو سرقت ؟؟؟ هل قُتِل الأطفال والشيوخ ؟؟؟
لكن ......
- المذهل والمحير !!!!!! إن شيئا من ذلك لم يحدث قط -
إذاً ما سبب كل هذا البكاء والنحيب ؟؟؟؟؟
- لقد كان بكاء أهل المدينة -- محيرا ؟؟؟ لم يكن بكاء كالعادة ؟؟؟؟
على فقد حبيب – أو ما سواه ؟؟
إنه بكاء على خروج تلك .... الأمة العادلة ....... الأمة الرحيمة ......
التي دخلت سمرقند ثم خرجت منها مسرعة
لأنها أخطأت في طريقة الدخول --- فقط في طريقة الدخول –
لم تقتل بغير حق – لم تظلم ؟؟؟ لم تدمر ؟؟؟؟
– سمرقند - التي عانت حقبة زمنية من الظلم والاضطهاد
وما عرفت نسيم الحرية يوما ما ؟؟
بكت سمرقند
- لتشوقها وربما لتعطشها لهؤلاء الفاتحين الذين فاح عبق الحرية
من عندهم وبدأ شذاها العطر يفوح على أهل سمرقند ؟
ويضفي ارتياحا واطمئنانا غير معهود ين
– نسيم العدل – نسيم الكرامة – نسيم العزة – نسيم – خلق الإنسان حرا
فشعروا بأن هؤلاء الفاتحين – هم من أعاد لهم وجودهم
واعتبارهم أناس لهم اعتبارهم وحريتهم التي أخذت منهم
ها هم الآن – تنفسوها – وسرت في كيانهم –
بل وذاقوا طعمها والذي لا يماثله أي طعم ؟؟؟
- ثم جاءت المفاجأة التي دونها التاريخ بأحرف وضاءة في جبين الدهر ؟؟؟
إنها المفاجأة .......
حيث لم يتمالك...... الكهنة وأهل سمرقند .......... لم يتما لكوا
أنفسهم لساعات أكثر حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة
أمامهم باتجاه معسكر المسلمين –
( يرددون ) بهتاف هز القلوب قبل أن يهز المدينة
- لم يكن هتافا وطنيا ولا قوميا ولا سياسيا – (ولست ضده ) ؟؟؟
لقد كان هتافا إيمانيا – أعاد اعتبارية الإنسان – أعاد له حريته وكرامته
- أعاد له ارتباطه بخالقه
أحيا روحه التي عانت من الخواء الإيماني –
فأدى ذلك إلى اختلال في الشخصية واختلال في القيم ؟؟
- لقد كان هتافهم الخالد :
-
( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )
- حقا لقد وُلِـد هؤلاء من جديد !!!
فيا لله ما أعظمها من قصة ، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق
أرأيتم جيشاً يفتح مدينة ............
ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة - فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج ؟ فيخرج الجيش وقد أمن الناس
على أموالهم وانفسهم – ثم تبكي المدينة على خروج ذلك الجيش –
ويأمرون بعودته عاجلا ؟؟؟
هذا هو الإسلام الحق .....
– والجيش الحق – والقائد الحق – والقاضي الحق - والدين الحق .
فهل هذه المحكمة شبيهة بمحكمة الجنايات الدولية - أم أنها أرقى من ذلك بكثير
هل هي شبيهة بمحكمة الجنايات الدولية ؟؟ أم أنها أرقى من ذلك بكثير ؟؟؟
العرض العادي
